«قلعة».. ولدت شامخة بأقلام عظيمة     

بقلم / احمد دبـيــلي
09 ديسمبر 2017

تمر اليوم  الذكرى ال 55 على تأسيس « الشعب» عميدة الصحف الجزائرية، وهي الذكرى التي ترتبط ارتباطا وثيقا بعيد استقلال الجزائر، فالثورة التي خرجت من رحم الشعب وانتصرت بالشعب وللشعب، أطلق شعار «الشعب» فيها على أول «صحيفة وطنية» صادرة بلسان عربي حتى تحمل آمال وهموم هذا الشعب، وتدافع عن مكاسب ضحى من اجلها مليون ونصف شهيد من خيرة أبناء هذه الأمة.
فـــ»جريدة الشعب»، كما وصفها المرحوم «محمد بوعروج» احد أكفأ مسيريها السابقين و شاهد على مرحلة مهمة من مسارها في ذكرى تأسيسها الخمسين، «جريدة بدأت طريقها مثل الثورة بخطوات تكبر ثم تتوسع»، وإذا كان هذا الوصف يرفع من شأنها ومصداقيتها الإعلامية، فهي في الحقيقة قلعة ولدت كبيرة وشامخة و بقيت عظيمة حتى اليوم.         
و إذا كانت ذكرى صحيفة»الشعب» في يوم 11 ديسمبر من كل سنة تعود وهي محملة بإحداث وشهادات بقيت عالقة في ذاكرة نخبة ممن تحملوا عناء بقائها على قيد الحياة حتى الساعة، و وقفوا في وجه من أراد استخراج شهادة وفاتها قبل الأوان، في بداية تسعينيات القرن الماضي، فان الآمال يجب أن تكون اكبر للمحافظة على هذه «القلعة» الصامدة التي أنجبت خيرة الأقلام الإعلامية وان تثمن أيضا مجهودات أبنائها الذين حافظوا عليها من الزوال و الاندثار مدة قاربت عقود ثلاثة من الزمن؟ّ؟
إن هذه العقود الثلاثة، وما تحملته فيها هذه الأقلام من خيبات الأمل وإرهاصات المهنة،ـ خاصة خلال العشرية السوداء ـ طغت وبشكل اكبر على بعض الأوقات التي أحسسنا فيها بقسط من السعادة العابرة ، فمهنة المتاعب وعلى الرغم مما تحمله في كل يوم من الجديد في هذا العالم المتغير على الدوام ، فان الإعلامي يبقى فيها مطالب وبشكل دائم بالإتقان والتحلي بروح المبادرة، فخلق الحدث هو في حد ذاته محرك هذه المهنة وبدونه يكون الركود و الجمود ثم التردي والزوال .
  إنه لا يمكن اليوم الحديث عن بعض الأحداث التي بقيت في الذاكرة،فهي كثيرة و متشعبة وتحتاج الى مساحة اكبر لسردها ليس من فرد واحد بل ومن مجموعة كبيرة من الأقلام التي عاشت هذه التجربة الإعلامية في هذه القلعة العملاقة التي لا يجلها إلا كبير ولا يستصغرها إلا صغير؟؟
ولعل من التجارب المهنية التي يمكن الرجوع إليها وبكل فخر واعتزاز في أم الجرائد « الشعب» ، اعتماد الصحفي في أول حياته المهنية على ترجمة الأخبار وخاصة أخبار الوكالات الإعلامية العالمية الى اللغة العربية وهي تجربة فريدة من نوعها تمكن الصحفي من التمرس في المهنة ومعرفة كل تقنيات التحرير على ارض الواقع، وهو ما يقصر مسافة الطريق أيضا أمام الصحفي ليعتمد على نفسه في المستقبل على تحرير كل الأخبار بسهولة ويسر، ولا اعتقد أن الصحفيين الذين عرفتهم من لم يمر بهذه التجربة الغنية، فالأسماء كثيرة لا يتسع المجال لذكرها الآن.
و اذكر من الوكالات الإعلامية التي تمرست عليها هذه الأقلام، وكالات: «رويترز، اف بي،أب،ايترتاس..» ففي هذه المصادر يعتمد الصحفي على التنوع في المعلومة والأساليب المختلفة في التحرير، مما يثري موضوعه المترجم، ويقدم بذلك مادة ثرية للقارئ، كما تمكن هذه المعلومات المختلفة الصحفي من كتابة مقالات تحليلية تتسم بالعمق والثراء، وتزداد هذه الأخبار التي تبثها الوكالات وبشكل مكثف و متسارع في الأماكن التي يكثر فيها التوتر كالحروب والصراعات و الكوارث الطبيعية مما يزيد في ثراء المادة الإعلامية المترجمة.
وما يرفع أيضا في ثراء تجربة الترجمة تنقل الصحفي بين أقسام التحرير المختلفة مما يعزز قدراته في التمييز بين المصطلحات وإثراء قاموسه اللغوي بلغتين أو أكثر وهذا ما يمكنه بعد ذلك من الكتابة في جميع أقسام التحرير بسهولة ويسر.
ولعل من التجارب التي بدأت تنقرض اليوم من قاموس الصحافة المكتوبة مراجعة المقالات المحررة من قبل الصحفيين، مهما كان مستواهم العلمي، فالمراجعة أو القراءة الثانية والثالثة للمقال وبخاصة من قبل رؤساء الأقسام كانت من الأساليب الفعالة لإخراج المقال في ثوب محترم لا يرقى إليه النقد ؟ غير أن هذا الأسلوب بدأ يتراجع و بشكل ملفت للنظر وهو يعرض المادة الإعلامية للانتقاد؟
وإذا كانت التجارب الإعلامية المهنية، والشخصية بمناسبة ممارسة هذه المهنة، أضحت منحصرة في ذاكرة بعض ممن تعايشوا مع هذه المهنة في أوج عطائها ، فان الضمير المهني يدعونا للعودة الى هذه الممارسات المهنية النبيلة لإعلاء شان الإعلام العمومي خاصة باعتباره المدرسة الأولى التي ارتوت منها كل الأقلام التي تركت بصمتها في الساحة الإعلامية لمدة تزيد عن نصف قرن.
إن جريدة « الشعب»، التي تعيش اليوم ذكرى تأسيسها وهي تشرف على العقد السادس من عمرها الثري بالتجارب، من الضروري أن تستمر في حمل راية المهنية التي دافعت عنها من خلال الأقلام التي رفعت رأسها بعد محنة الجحود والنكران فقاومته وبكل شرف بالصمود والبقاء. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025